شرح أصول العقيدة


العقيدة المسيحية واحدة شرقاً وغرباً ، وقانون الإيمان النيقاوي هو الصخرة الرسولية التي بنيت عليها إيمان الكنيسة الواحدة ، وهذه الحقيقة لا جدال فيها أو اعتراض .
العقيدة المسيحية أساسها تسليم رسولي بالروح القدس بالإنجيل :
" فإني سلمتُ إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضاً أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب . وأنه دُفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب .. " ( 1كو15: 3-4 )
ولا يوجد مسيحي واحد يختلف عن مسيحي آخر حول الاعتقاد الواضح بأن المسيح مات لأجلنا على الصليب .
ولكن ما نختلف فيه هو كيف نفهم ونشرح ونمارس عقيدة موت المسيح على الصليب

عناصر الشرح الأرثوذكسي السليم :
الشرح في الشرق وكما تعلمنا من آباء الكنيسة العظام ، يلتزم بثلاثة عناصر رئيسية بل وأساسية ودونها لا يكون شرحاً أرثوذكسياً بالمرة وهي كالتالي :

أولاً : تفسير وشرح أي عقيدة في الإطار اللاهوتي الشامل إلي يضم كل العقائد :

هكذا تعلمنا من القديس اثناسيوس الرسولي حينما شرح لاهوت الابن الكلمة في إطار الشرح الشامل الذي يقوم على عقيدة الثالوث نفسها وعلاقة عمل الكلمة بالروح القدس .

ثانياً : تفسير وشرح العقيدة على أساس الليتورجية :

ما يُمارس في الكنيسة إنما هو التطبيق العملي للتعليم العقائدي . أو بعبارة أخرى شرح العقيدة في ضوء خبرة السر التي تكونها الأسرار الكنسية .
وكانت من أهم نقط الدفاع عن لاهوت الابن عند القديس اثناسيوس الرسولي الملقب بـ أب الأرثوذكسية هو ما تمارسه الكنيسة أي المعمودية ، والتي هي سرّ التبني الذي لا يمكن أن يُعطى باسم خالق هو الآب ومخلوق هو الابن ، لأن المخلوق لا يهب عطية التبني بالاتحاد بل كاسم على ورق قانوني ، أما التبني في يسوع المسيح هو هبه وعطية تمت بتجسد الكلمة

وكذلك هاجم القديس كيرلس الكبير عامود الدين النسطورية الذي أنكرت اتحاد اللاهوت بالناسوت ، لأن إنكار اتحاد اللاهوت بالناسوت يجعل جسد المسيح في الإفخارستيا جسداً بشرياً لا يهب حياة .

ثالثا: تفسير وشرح العقيدة على أساس التقليد الكنسي نفسه :

أي شرح للعقيدة يستمد قوته الروحية من الأصالة التي يحملها التقليد الذي هو عينه من الروح القدس ، فهو في النهاية خلاص الإنسان أو ما يناله من عطايا النعمة .
فالشرح يجب أن يكون ((( حسب النعمة ))) أي أن يُعلن للإنسان ما سوف يناله . وهذا لن يتحقق إلا بالعودة للتقليد .

في الختام نقول :
أن هذه العناصر الثلاثة ذات دلالة روحية عميقة في الأرثوذكسية لأن الإطار الشامل – أي العنصر الأول – إنما يعني الاحتفاظ بنظرة شاملة وكلية وعدم تجزئة العقائد إلى وحدات منفصلة .
أما خبرة الليتورجية والممارسة الكنسية والأسرار – العنصر الثاني – فهي تعني أن يُصب الشرح والتفسير فيما يُمارس في الحياة اليومية وإلا أُعتبر هذا الشرح شرحاً عقلياً أجوف ويحسب سفسطة لا قيمة لها .
وهذا يعني بدوره ضرورة العودة إلى التقليد الكنسي – العنصر الثالث – لأن شرح العقل يفصل بين الكنيسة والتقليد ، ويباعد بين المؤمن والممارسة الليتورجية ، وهو كفيل أن يخلق فجوة روحية تسمح بالآراء الشخصية والتفسيرات الذاتية التي تبعد تماماً عن الكتاب المقدس وشخص ربنا يسوع ، وهي كفيلة أن تحول اللاهوت كله إلى نظرية وكلمات عقلية لا روح فيها ولا حياة ...

ومتى توفرت هذه العناصر الثلاثة كان الشرح بلا شك أرثوذكسياً
أما إذا غابت العناصر الثلاثة أو عنصر منها فإن إعادة النظر في تفسير وشرح العقيدة أمر مطلوب لا يمكن تركة للمناسبات والظروف ...